إن للدعاء واللجوء إلى الله تعالى مفعول عظيم في إصلاح الأولاد، واستقامتهم على الدين، فالله سبحانه هو مالك الملك، وأمور الخلق وأقدارهم بين يديه يصرفها كيف يشاء فإذا كان هو سبحانه صاحب الشأن، وكان من الضروري، بل ومن اللازم الطلب منه ودعاؤه، والابتهال والالتجاء إليه رجاء صلاح الذرية واستقامتها، فإنه لا يوجد شيء في الدنيا أقر وأهنأ لعين المؤمن من صلاح أهله وولده. فالدعاء أكرم شيء على الله، وهو أشرف العبادات، بل هو العبادة نفسها، ومن المعروف أن دعوة الأب لولده مستجابة، فما أفضل وأحسن أن يستغل الوالد هذه المنزلة والكرامة من الله تعالى بأن يدعو لذريته، ويرجو من الله صلاحها وهدايتها، فيقتدي في ذلك بالأنبياء الكرام عليهم جميعاً صلاة الله وسلامه، فقد كانوا أكثر الناس دعاء والتجاء إلى الله، وطلباً منه إصلاح أولادهم،، فقد سجل القرآن الكريم لبعضهم دعوات وتضرعات عظيمة. فهذا نبي الله إبراهيم عليه السلام يدعو الله سبحانه وتعالى أن يجنبه وذريته عبادة الأصنام: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ} [إبراهيم:35]، وبعد أن رزقه الله تعالى الذرية الصالحة يحمد الله على ذلك، ويؤكد أن الله سميع الدعاء فيقول كما حكى الله تعالى عنه: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء} [إبراهيم:39]، وهذا نبي الله زكريا عليه السلام يدعو طالباً الذرية الطيبة: {قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء} [آل عمران:38]، وهكذا الأنبياء كلهم عليهم السلام يتضرعون إلى الله بالدعاء راغبين خائفين، كما قال الله تعالى عنهم: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90]،
لذا لا ينبغي للوالد أبداً أن يهجر الدعاء، أو أن يقصر فيه، فإنه مأمور به كما قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60]، وقال أيضاً: {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:56]، وقال: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180].
وعلى الوالد أن يحذر كل الحذر من أن يدعو على أولاده بشر؛ فإن دعوته مستجابة -كما تقدم- فقد نقل عن عبد الله بن المبارك أن رجلاً جاءه يشكو إليه عقوق ولده فسأله إن كان دعا عليه أم لا؟ فأجاب بأنه قد دعا عليه، فقال له حينئذ: "أنت أفسدته" فعلى الوالد أن يحذر من ذلك ويستبدل الدعاء عليهم بالدعاء لهم، ولا بأس أن يجمعهم في بعض الأوقات فيدعو لهم؛ كما كان يفعل أنس بن مالك رضي الله عنه عند ختم القرآن الكريم.